ثم أخبر أنه لو شاء لأعطاه خيراً مما قالوا في الدنيا، وهو قوله: {خيراً من ذلك} يعني: لو شئتُ لأعطيتُك في الدنيا خيراً مما قالوا، لأنه قد شاء أن يعطيَه ذلك في الآخرة. {ويَجْعَلْ لكَ قُصوراً} قرأ ابن كثير، وابن عامر، وأبو بكر عن عاصم {ويجعلُ لكَ قصوراً} برفع اللام. وقرأ أبو عمرو، ونافع، وحمزة، والكسائي، وحفص عن عاصم: {ويجعلْ} بجزم اللام. فمن قرأ بالجزم، كان المعنى: إِن يشأْ يجعلْ لك جنات ويجعلْ لك قصوراً. ومن رفع، فعلى الاستئناف المعنى: ويجعلُ لكَ قصوراً في الآخرة. وقد سبق معنى {أعتدنا} [النساء: 37] ومعنى {السعير} [النساء: 10].قوله تعالى: {إِذ رأتْهم من مكان بعيد} قال السدي عن أشياخه: من مسيرة مائة عام.فان قيل: السعير مذكَّر، فكيف قال: {إِذا رأتهم}؟فالجواب: أنه أراد بالسعير النار.قوله تعالى: {سَمِعوا لها تغيُّظاً} فيه قولان:أحدهما: غَلَيان تَغَيُّظ، قاله الزجاج. قال المفسرون: والمعنى: أنها تتغيَّظ عليهم، فيسمعون صوت تغيُّظها وزفيرها كالغضبان إِذا غلا صدره من الغيظ.والثاني: يسمعون فيها تغيُّظ المعذَّبين وزفيرهم، حكاه ابن قتيبة.قوله تعالى: {وإِذا أُلْقُوا منها مكاناً ضيِّقاً مُقَرَّنِين دَعَواْ هنالك ثُبوراً} قال المفسرون: تضيِّق عليهم كما يضيِّق الزُّجُّ على الرُّمح، وهم قد قُرنوا مع الشياطين والثُّبور: الهَلَكة. وقرأ عاصم الجحدري وابن السميفع {ثَبوراً} بفتح الثاء.قوله تعالى: {وادعوا ثُبوراً كثيراً} قال الزجاج: الثُّبور مصدر، فهو للقليل والكثير على لفظ الواحد، كما تقول: ضربته ضرباً كثيراً، والمعنى: هلاكهم أكثر من أن يدعوا مرة واحدة. وروى أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أول من يُكْسى من أهل النار يوم القيامة إِبليس، يُكْسى حُلَّة من النَّار فيضعها على حاجبيه ويسحبها من خلفه وذريَّتُه خلفه وهو يقول: واثبوراه، وهم ينادون: يا ثبورهم، حتى يقفوا على النار، فينادي: يا ثبوراه، وينادون: يا ثبورهم، فيقول الله عز وجل: {لا تدعوا اليوم ثُبوراً واحداً وادعوا ثُبوراً كثيراً}».