سورة الفرقان - تفسير تفسير ابن الجوزي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الفرقان)


        


ثم أخبر أنه لو شاء لأعطاه خيراً مما قالوا في الدنيا، وهو قوله: {خيراً من ذلك} يعني: لو شئتُ لأعطيتُك في الدنيا خيراً مما قالوا، لأنه قد شاء أن يعطيَه ذلك في الآخرة. {ويَجْعَلْ لكَ قُصوراً} قرأ ابن كثير، وابن عامر، وأبو بكر عن عاصم {ويجعلُ لكَ قصوراً} برفع اللام. وقرأ أبو عمرو، ونافع، وحمزة، والكسائي، وحفص عن عاصم: {ويجعلْ} بجزم اللام. فمن قرأ بالجزم، كان المعنى: إِن يشأْ يجعلْ لك جنات ويجعلْ لك قصوراً. ومن رفع، فعلى الاستئناف المعنى: ويجعلُ لكَ قصوراً في الآخرة. وقد سبق معنى {أعتدنا} [النساء: 37] ومعنى {السعير} [النساء: 10].
قوله تعالى: {إِذ رأتْهم من مكان بعيد} قال السدي عن أشياخه: من مسيرة مائة عام.
فان قيل: السعير مذكَّر، فكيف قال: {إِذا رأتهم}؟
فالجواب: أنه أراد بالسعير النار.
قوله تعالى: {سَمِعوا لها تغيُّظاً} فيه قولان:
أحدهما: غَلَيان تَغَيُّظ، قاله الزجاج. قال المفسرون: والمعنى: أنها تتغيَّظ عليهم، فيسمعون صوت تغيُّظها وزفيرها كالغضبان إِذا غلا صدره من الغيظ.
والثاني: يسمعون فيها تغيُّظ المعذَّبين وزفيرهم، حكاه ابن قتيبة.
قوله تعالى: {وإِذا أُلْقُوا منها مكاناً ضيِّقاً مُقَرَّنِين دَعَواْ هنالك ثُبوراً} قال المفسرون: تضيِّق عليهم كما يضيِّق الزُّجُّ على الرُّمح، وهم قد قُرنوا مع الشياطين والثُّبور: الهَلَكة. وقرأ عاصم الجحدري وابن السميفع {ثَبوراً} بفتح الثاء.
قوله تعالى: {وادعوا ثُبوراً كثيراً} قال الزجاج: الثُّبور مصدر، فهو للقليل والكثير على لفظ الواحد، كما تقول: ضربته ضرباً كثيراً، والمعنى: هلاكهم أكثر من أن يدعوا مرة واحدة. وروى أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أول من يُكْسى من أهل النار يوم القيامة إِبليس، يُكْسى حُلَّة من النَّار فيضعها على حاجبيه ويسحبها من خلفه وذريَّتُه خلفه وهو يقول: واثبوراه، وهم ينادون: يا ثبورهم، حتى يقفوا على النار، فينادي: يا ثبوراه، وينادون: يا ثبورهم، فيقول الله عز وجل: {لا تدعوا اليوم ثُبوراً واحداً وادعوا ثُبوراً كثيراً}».


قوله تعالى: {قل أَذلكَ} يعني: السعير {خيرٌ أم جنَّةُ الخُلْد} وهذا تنبيه على تفاوت ما بين المنزلتين، لا على أن في السعير خيراً. وقال الزجاج: قد وقع التساوي بين الجنة والنار في أنهما منزلان، فلذلك وقع التفضيل بينهما.
قوله تعالى: {كانت لهم جزاءً} أي: ثواباً {ومَصيراً} أي: مَرْجِعاً.
قوله تعالى: {كان على ربِّك} المشار إِليه، إِما الدخول، وإِما الخُلود {وَعْداً} وعدهم الله إِياه على ألسنة الرسل.
وفي معنى {مسؤولاً} قولان:
أحدهما: مطلوباً. وفي الطالب له قولان:
أحدهما: أنهم المؤمنون، سألوا الله في الدنيا إِنجاز ما وعدهم به.
والثاني: أن الملائكة سألته ذلك لهم، وهو قوله: {ربَّنا وأَدْخِلهم جَنَّاتِ عَدْنٍ التي وَعدتَهم} [غافر: 8]
والثاني: أن معنى المسؤول؟ الواجب.


قوله تعالى: {ويوم يَحْشُرُهُمْ} قرأ ابن كثير، وحفص عن عاصم: {يحشرهم} {فيقول} بالياء فيهما. وقرأ نافع، وأبو عمرو، وحمزة، والكسائي، وأبو بكر عن عاصم: {نحشرهم} بالنون {فيقول} بالياء. وقرأ ابن عامر: {نحشرهم} {فنقول} بالنون فيهما جميعاً، يعني: المشركين، {وما يَعْبُدون} قال مجاهد: يعني عيسى وعزيراً والملائكة. وقال عكرمة، والضحاك: يعني الأصنام، فيأذن الله للأصنام في الكلام، ويخاطبها {فيقول أأنتم أضللتم عِبادي} أي: أمرتموهم بعبادتكم {أم هم ضَلُّوا السبيل} أي: أخطأوا الطريق. {قالوا} يعني الأصنام {سبحانَكَ} نزَّهوا الله تعالى أن يُعْبَدَ غيره {ما كان ينبغي لنا أن نَتَّخذ من دونك من أولياء} نُواليهم؛ والمعنى: ما كان ينبغي لنا أن نَعبد نحن غيرك، فكيف ندعو إِلى عبادتنا؟! فدل هذا الجواب على أنهم لم يأمروا بعبادتهم. وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي، وابن جبير، والحسن، وقتادة، وأبو جعفر، وابن يعمر، وعاصم الجحدري: {أن نُتَّخَذ} برفع النون وفتحِ الخاء. ثم ذكروا سبب تركهم الإِيمان، فقالوا: {ولكن مَتَّعْتَهم} أي: أطلت لهم العمر وأوسعت لهم الرزق {حتى نَسُوا الذِّكْر} أي: تركوا الإِيمان بالقرآن والاتِّعاظَ به {وكانوا قوماً بُوراً} قال ابن عباس: هَلْكى. وقال في رواية أخرى، البُور: في لغة أزد عُمان: الفاسد. قال ابن قتيبة: هو من بارَ يَبُور: إِذا هلك وبطَل، يقال: بار الطعامُ: إِذا كَسَد، وبارت الأَيّمُ، إِذا لم يُرغَبْ فيها، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتعوَّذُ من بَوَار الأيِّمِ، قال: وقال أبو عبيدة: يقال: رجل بُورٌ، وقوم بور لا يُجمَع ولا يُثنَّى، واحتج بقول الشاعر:
يا رَسُولَ المَلِيكِ إِنَّ لِسَاني *** رَاتِقٌ ما فَتَقْتُ إِذْ أَنَا بُورُ
وقد سمعنا برجل بائر، ورأيناهم ربما جمعوا فاعلاً على فُعْل، نحو عائذٍ وعُوذٍ، وشارِفٍ وشُرْفٍ. قال المفسرون: فيقال للكفار حينئذ {فقد كذَّبوكم}، أي: فقد كذَّبكم المعبودون في قولكم: إِنهم آلهة. وقرأ سعيد ابن جبير، ومجاهد، ومعاذ القارئ، وابن شنبوذ عن قنبل: {بما يقولون} بالياء؛ والمعنى: كذَّبوكم بقولهم: {سبحانكَ ما كان ينبغي لنا...} الآية؛ هذا قول الأكثرين. وقال ابن زيد: الخطاب للمؤمنين؛ فالمعنى: فقد كذَّبكم المشركون بما تقولون: إِن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قوله تعالى: {فما يَستطيعون صَرْفاً ولا نَصْراً} قرأ الأكثرون بالياء. وفيه وجهان.
أحدهما: فما يستطيع المعبودون صرفاً للعذاب عنكم ولا نصراً لكم.
والثاني: فما يستطيع الكفار صرفاً لعذاب الله عنهم ولا نصراً لأنفسهم. وقرأ حفص عن عاصم: {تستطيعون} بالتاء؛ والخطاب للكفار. وحكى ابن قتيبة عن يونس البصري أنه قال: الصَّرْف: الحيلةُ من قولهم: إِنه ليتصرَّف.
قوله تعالى: {ومن يَظْلِمْ منكم} أي: بالشِّرك {نُذِقْهُ} في الآخرة. وقرأ عاصم الجحدري، والضحاك، وأبو الجوزاء وقتادة: {يذقه} بالياء {عذاباً كبيراً} أي: شديداً.
{وما أرسَلْنا قبلكَ من المرسلين} قال الزجاج: في الآية محذوف، تقديره: وما أرسلنا قبلك رُسلاً من المرسَلين، فحذفت {رسلاً} لأن قوله: {من المرسَلين} يدلّ عليها.
قوله تعالى: {إِلا إِنَّهم لَيَأكُلون الطعام ويمشون في الأسواق} أي: إِنهم كانوا على مثل حالكَ، فكيف تكون بِدْعاً منهم؟!
فان قيل: لم كُسرت {إِنَّهم} هاهنا، وفتحت في [براءة: 54] في في قوله: {أن تُقْبَلَ منهم نفقاتُهم إِلاّ أنَّهم} فقد بيَّنَّا هنالك عِلَّة فتح تلك؛ فأما كسر هذه، فذكر ابن الأنباري فيه وجهين.
أحدهما: أن تكون فيها واو حال مضمرة، فكسرت بعدها {إِنّ} للاستئناف، فيكون التقدير: إِلا وإِنَّهم ليأكلون الطعام، فأُضمرت الواو هاهنا كما أُضمرت في قوله: {أو هم قائلون} [الأعراف: 4]، والتأويل: أو وهم قائلون.
والثاني: أن تكون كُسرت لإِضمار مَنْ قبلها، فيكون التقدير: وما أرسلنا قبلكَ من المرسَلين إِلا مَنْ إِنهم ليأكلون، قال الشاعر:
فظلُّوا ومنهم دَمْعُه سَابق له *** وآخَرُ يَثني دَمْعَة العَيْنِ بالمَهْلِ
أراد: مَن دمعُه.
قوله تعالى: {وجعلنا بعضَكم لبعض فِتنة} الفتنة: الابتلاء والاختبار.
وفي معنى الكلام ثلاثة أقوال.
أحدها: أنه افتتان الفقير بالغنيّ، يقول: لو شاء لجعلني غنيّاً، والأعمى بالبصير، والسقيم بالصحيح، قاله الحسن.
والثاني: ابتلاء الشريف بالوضيع، والعربي بالمولى، فاذا أراد الشريف أن يُسْلِم فرأى الوضيع قد سبقه بالإِسلام أنف فأقام على كفره، قاله ابن السائب.
والثالث: أن المستهزئين من قريش كانوا إِذا رأوا فقراء المؤمنين، قالوا: انظروا إِلى أتباع محمد من موالينا ورُذالتنا، قاله مقاتل.
فعلى الأول: يكون الخطاب بقوله: {أتَصْبِرون} لأهل البلاء. وعلى الثاني: للرؤساء، فيكون المعنى: أتصبرون على سبق الموالي والأتباع. وعلى الثالث: للفقراء؛ فالمعنى: أتصبرون على أذى الكفار واستهزائهم، والمعنى: قد علمتم ما وُعِد الصابرون، {وكان ربُّك بصيراً} بمن يصبر وبمن يجزع.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7